Neymar عضو جديد


ذكر عدد المساهمات : 19 تاريخ التسجيل : 19/01/2011 العمر : 23 الموقع : www.dinona.forummaroc.net
 | موضوع: التعريف بسورة البقرة .... الجمعة أبريل 01, 2011 10:18 pm | |
| سورة البقرة مدنية وآياتها ست وثمانون ومائتان بسم الله الرحمن الرحيم التعريف بسورة البقرة 1 – نزول السور وترتيبها التوقيفي هذه السورة من أوائل ما نزل من السور بعد الهجرة . وهي أطول سور القرآن على الإطلاق . والمرجح أن آياتها لم تنزل متوالية كلها حتى اكتملت قبل نزول آيات من سور أخرى ; فمراجعة أسباب نزول بعض آياتها وبعض الآيات من السور المدنية الأخرى – وإن تكن هذه الأسباب ليست قطعية الثبوت – تفيد أن السور المدنية الطوال لم تنزل آياتها كلها متوالية ; إنما كان يحدث أن تنزل آيات من سورة لاحقة قبل استكمال سورة سابقة نزلت مقدماتها ; وأن المعول عليه في ترتيب السور من حيث النزول هو سبق نزول أوائلها – لا جميعها – وفي هذه السورة آيات في أواخر ما نزل من القرآن كأيات الربا , في حين أن الراجح أن مقدماتها كانت من أول ما نزل من القرآن في المدينة . فأما تجميع آيات كل سورة في السورة , وترتيت هذه الآيات , فهو توقيفي موحى به . . روى الترمذي – بإسناده – عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال:قلت لعثمان بن عفان:ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين , وقرنتم بينهما ولم تكتبوا سطر:بسم الله الرحمن الرحيم , ووضعتموها في السبع الطوال ? وما حملكم على ذلك ? فقال عثمان:كان رسول الله [ ص ] كان مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد ; فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب , فيقول:” ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ” . وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة , وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن ; وكانت قصتها شبيهة بقصتها , وخشيت أنها منها ; وقبض رسول الله [ ص ] ولم يبين لنا أنها منها . فمن أجل ذلك قرنت بينهما , ولم أكتب بينهما سطر:بسم الله الرحمن الرحيم , ووضعتها في السبع الطوال . فهذه الرواية تبين أن ترتيب الآيات في كل سورة كان بتوقيف من رسول الله [ ص ] وقد روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي [ ص ] أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل . وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي [ ص ] القرآن , وفي رواية فيدارسه القرآن , فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة . ومن الثابت أن رسول الله [ ص ] وقد قرأ القرآن كله على جبريل – عليه السلام – كما أن جبريل قد قرأه عليه . . ومعنى هذا أنهما قرآه مرتبة آياته في سوره . ومن ثم يلحظ من يعيش في ظلال القرآن أن لكل سورة من سوره شخصية مميزة ! شخصية لها روحيعيش معها القلب كما لو كان يعيش مع روح حي مميز الملامح والسمات والأنفاس ! ولها موضوع رئيسي أو عدة موضوعات رئيسية مشدودة إلى محور خاص . ولها جو خاص يظلل موضوعاتها كلها ; ويجعل سياقها يتناول هذه الموضوعات من جوانب معينة , تحقق التناسق بينها وفق هذا الجو . ولها إيقاع موسيقي خاص – إذا تغير في ثنايا السياق فإنما يتغير لمناسبة موضوعية خاصة . . وهذا طابع عام في سور القرآن جميعا . ولا يشذ عن هذه القاعدة طوال السور كهذه السورة . 2:ملابسات نزول سورة البقرة:وبدايات الهجرة هذه السورة تضم عدة موضوعات . ولكن المحور الذي يجمعها كلها محور واحد مزدوج يترابط الخطان الرئيسيان فيه ترابطا شديدا . . فهي من ناحية تدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوة الإسلامية في المدينة , واستقبالهم لها , ومواجهتهم لرسولها [ ص ] وللجماعة المسلمة الناشئة على أساسها . . . وسائر ما يتعلق بهذا الموقف بما فيه تلك العلاقة القوية بين اليهود والمنافقين من جهة , وبين اليهود والمشركين من جهة أخرى . . وهي من الناحية الأخرى تدور حول موقف الجماعة المسلمة في أول نشأتها ; وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض , بعد أن تعلن السورة نكول بني إسرائيل عن حملها , ونقضهم لعهد الله بخصوصها , وتجريدهم من شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم – عليه السلام – صاحب الحنيفية الأولى , وتبصير الجماعة المسلمة وتحذيرها من العثرات التي سببت تجريد بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم . . وكل موضوعات السورة تدور حول هذا المحور المزدوج بخطيه الرئيسيين , كما سيجيء في استعراضها التفصيلي . ولكي يتضح مدى الارتباط بين محور السورة وموضوعاتها من جهة , وبين خط سير الدعوة أول العهد بالمدينة , وحياة الجماعة المسلمة وملابساتها من الجهة الأخرى . . يحسن أن نلقي ضوءا على مجمل هذه الملابسات التي نزلت آيات السورة لمواجهتها ابتداء . مع التنبيه الدائم إلى أن هذه الملابسات في عمومها هي الملابسات التي ظلت الدعوة الإسلامية وأصحابها يواجهونها – مع اختلاف يسير – على مر العصور وكر الدهور ; من أعدائها وأوليائها على السواء . مما يجعل هذه التوجيهات القرآنية هي دستور هذه الدعوة الخالد ; ويبث في هذه النصوص حياة تتجدد لمواجهة كل عصر وكل طور ; ويرفعها معالم للطريق أمام الأمة المسلمة تهتدي بها في طريقها الطويل الشاق , بين العداوات المتعددة المظاهر المتوحدة الطبيعة . . وهذا هو الإعجاز يتبدى جانب من جوانبه في هذه السمة الثابتة المميزة في كل نص قرآني . لقد تمت هجرة الرسول [ ص ] إلى المدينة بعد تمهيد ثابت وإعداد محكم . تمت تحت تأثير ظروف حتمت هذه الهجرة ; وجعلتها إجراء ضروريا لسير هذه الدعوة في الخط المرسوم الذي قدره الله لها بتدبيره . . كان موقف قريش العنيد من الدعوة في مكة – وبخاصة بعد وفاة خديجة – رضي الله عنها – وموت أبي طالب كافل النبي وحاميه . . كان هذا الموقف قد انتهى إلى تجميد الدعوة تقريبا في مكة وما حولها . ومع استمرار دخول أفراد في الإسلام على الرغم من جميع الاضطهادات والتدبيرات فإن الدعوة كانت تعتبر قد تجمدت فعلا في مكة وما حولها , بموقف قريش منها , وتحالفهم على حربها بشتى الوسائل , مما جعل بقية العرب تقف موقف التحرز والانتظار , في ارتقاب نتيجة المعركة بين الرسول وعشيرته الأقربين , وعلى رأسهم أبو لهب وعمرو بن هشام وأبو سفيان بن حرب وغيرهم ممن يمتون بصلة القرابة القوية لصاحب الدعوة . وما كان هناك ما يشجع العرب في بيئة قبلية لعلاقات القرابة عندها وزن كبير , على الدخول في عقيدةرجل تقف منه عشيرته هذا الموقف . وبخاصة أن عشيرته هذه هي التي تقوم بسدانة الكعبة , وهي التي تمثل الناحية الدينية في الجزيرة ! ومن ثم كان بحث الرسول [ ص ] عن قاعدة أخرى غير مكة , قاعدة تحمي هذه العقيدة وتكفل لها الحرية , ويتاح لها فيها أن تخلص من هذا التجميد الذي انتهت إليه في مكة . حيث تظفر بحرية الدعوة وبحماية المعتنقين لها من الاضطهاد والفتنة . . وهذا في تقديري كان هو السبب الأول والأهم للهجرة . ولقد سبق الاتجاه إلى يثرب , لتكون قاعدة للدعوة الجديدة , عدة اتجاهات . . سبقها الاتجاه إلى الحبشة , حيث هاجر إليها كثير من المؤمنين الأوائل . والقول بأنهم هاجروا إليها لمجرد النجاة بأنفسهم لا يستند إلى قرائن قوية . فلو كان الأمر كذلك لهاجر إذن أقل الناس جاها وقوة ومنعة من المسلمين . غير أن الأمر كان على الضد من هذا , فالموالي المستضعفون الذين كان ينصب عليهم معظم الاضطهاد والتعذيب والفتنة لم يهاجروا . إنما هاجر رجال ذوو عصبيات , لهم من عصبيتهم – في بيئة قبلية – ما يعصمهم من الأذى , ويحميهم من الفتنة ; وكان عدد القرشيين يؤلف غالبية المهاجرين , منهم جعفر بن أبي طالب – وأبوه وفتيان بني هاشم معه هم الذين كانوا يحمون النبي [ ص ] ومنهم الزبير بن العوام , وعبد الرحمن ابن عوف , وأبو سلمة المخزومي , وعثمان بن عفان الأموي . . . . وغيرهم . وهاجرت نساء كذلك من أشرف بيوتات مكة ما كان الأذى لينالهن أبدا . . وربما كان وراء هذه الهجرة أسباب أخرى كإثارة هزة في أوساط البيوت الكبيرة في قريش ; وأبناؤها الكرام المكرمون يهاجرون بعقيدتهم , فرارا من الجاهلية , تاركين وراءهم كل وشائج القربى , في بيئة قبلية تهزها هذه الهجرة على هذا النحو هزا عنيفا ; وبخاصة حين يكون من بين المهاجرين مثل أم حبيبة , بنت أبي سفيان , زعيم الجاهلية , وأكبر المتصدين لحرب العقيدة الجديدة وصاحبها . . ولكن مثل هذه الأسباب لا ينفي احتمال أن تكون الهجرة إلى الحبشة أحد الاتجاهات المتكررة في البحث عن قاعدة حرة , أو آمنة على الأقل للدعوة الجديدة . وبخاصة حين نضيف إلى هذا الاستنتاج ما ورد عن إسلام نجاشي الحبشة . ذلك الإسلام الذي لم يمنعه من إشهاره نهائيا إلا ثورة البطارقة عليه , كما ورد في روايات صحيحة . كذلك يبدو اتجاه الرسول [ ص ] إلى الطائف محاولة أخرى لإيجاد قاعدة حرة أو آمنة على الأقل للدعوة . . وهي محاولة لم تكلل بالنجاح لأن كبراء ثقيف استقبلوا رسول الله [ ص ] أسوأ استقبال , وسلطوا عليه سفهاءهم وصبيانهم يرجمونه بالحجارة , حتى أدموا قدميه الشريفتين , ولم يتركوه حتى آوى إلى حائط [ أي حديقة ] لعتبة وشيبة إبني ربيعة . . وهناك انطلق لسانه بذلك الدعاء الخالص العميق:” اللهم أشكو إليك ضعف قوتي , وقلة حيلتي , وهواني على الناس . يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي . إلى من تكلني ? إلى عدو ملكته أمري ! أم بعيد يتجهمني ? إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي . ولكن عافيتك أوسع لي . أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات , وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة , أن تنزل بي غضبك , أو تحل علي سخطك . لك العتبى حتى ترضى , ولا حول ولا قوة إلا بك ” . بعد ذلك فتح الله على الرسول [ ص ] وعلى الدعوة من حيث لا يحتسب , فكانت بيعة العقبة الأولى , ثم بيعة العقبة الثانية . وهما ذواتا صلة قوية بالموضوع الذي نعالجه في مقدمة هذه السورة , وبالملابسات التي وجدت حول الدعوة في المدينة . وقصة ذلك في اختصار:أن النبي [ ص ] التقى قبل الهجرة إلى يثرب بسنتين بجماعة من الخزرج في موسم الحج , حيث كان يعرض نفسه ودعوته على الوافدين للحج ; ويطلب حاميا يحميه حتى يبلغ دعوة ربه . وكان سكان يثرب من العرب – الأوس والخزرج – يسمعون من اليهود المقيمين معهم , أن هنالك نبيا قد أطل زمانه ; وكانت يهود تستفتح به على العرب , أي تطلب أن يفتح لهم على يديه , وأن يكون معهم على كل من عداهم . فلما سمع وفد الخزرج دعوة النبي [ ص ] قال بعضهم لبعض:تعلمن والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود , فلا تسبقنكم إليه . . وأجابوه لما دعاهم . وقالوا له:إننا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم . فعسى الله أن يجمعهم بك . . ولما عادوا إلى قومهم , وعرضوا الأمر عليهم , ارتاحوا له , ووافقوا عليه . فلما كان العام التالي وافى الموسم جماعة من الأوس والخزرج , فالتقوا بالنبي [ ص ] وبايعوه على الإسلام . وقد أرسل معهم من يعلمهم أمر دينهم . وفي الموسم التالي وفد عليه جماعة كبيرة من الأوس والخزرج كذلك , فطلبوا أن يبايعوه , وتمت البيعة بحضور العباس عم النبي [ ص ] على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأموالهم . وتسمى هذه البيعة الثانية بيعة العقبة الكبرى . . ومما وردت به الروايات في هذه البيعة ما قاله محمد بن كعب القرظي:قال عبد الله بن رواحة – رضي الله عنه – لرسول الله [ ص ] يعني ليلة العقبة:اشترط لربك ولنفسك ما شئت . فقال:” اشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ; واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم ” . قال:فما لنا إذا فعلنا ذلك ? قال:” الجنة ” . قالوا:ربح البيع ولا نقيل ولا نستقبل ! وهكذا أخذوا الأمر بقوة . . ومن ثم فشا الإسلام في المدينة , حتى لم يبق فيها بيت لم يدخله الإسلام . وأخذ المسلمون في مكة يهاجرون إلى المدينة تباعا , تاركين وراءهم كل شيء , ناجين بعقيدتهم وحدها , حيث لقوا من إخوانهم الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم , من الإيثار والإخاء ما لم تعرف له الإنسانية نظيرا قط . ثم هاجر رسول الله [ ص ] وصاحبه الصديق . هاجر إلى القاعدة الحرة القوية الآمنة التي بحث عنها من قبل طويلا . . وقامت الدولة الإسلامية في هذه القاعدة منذ اليوم الأول لهجرة الرسول [ ص ] . 3:الخط الأول في السورة:كشف عداوة اليهود للدعوة الإسلامية وهو إلى نهاية الجزء الأول من أولئك السابقين من المهاجرين والأنصار تكونت طبقة ممتازة من المسلمين نوه القرآن بها في مواضع كثيرة . وهنا نجد السورة تفتتح بتقرير مقومات الإيمان , وهي تمثل صفة المؤمنين الصادقين إطلاقا . ولكنها أولا تصف ذلك الفريق من المسلمين الذي كان قائما بالمدينة حينذاك: الم ذلك الكتاب لا ريب فيه , هدى للمتقين , الذين يؤمنون بالغيب , ويقيمون الصلاة , ومما رزقناهم ينفقون . والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك , وبالآخرة هم يوقنون . أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون . . ثم نجد بعدها مباشرة في السياق وصفا للكفار ; وهو يمثل مقومات الكفر على الإطلاق . ولكنه أولا وصف مباشر للكفار الذين كانت الدعوة تواجههم حينذاك , سواء في مكة أو فيما حول المدينة ذاتها من طوائف الكفار:(إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون . ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم , وعلى أبصارهم غشاوة , ولهم عذاب عظيم). . كذلك كانت هناك طائفة المنافقين . ووجود هذه الطائفة نشأ مباشرة من الأوضاع التي أنشأتها الهجرة النبوية إلى المدينة في ظروفها التي تمت فيها , والتي أشرنا إليها من قبل ; ولم يكن لها وجود بمكة . فالإسلام في مكة لم تكن له دولة ولم تكن له قوة , بل لم تكن له عصبة يخشاها أهل مكة فينافقونها . على الضد من ذلك كان الإسلام مضطهدا , وكانت الدعوة مطاردة , وكان الذين يغامرون بالانضمام إلى الصف الإسلامي هم المخلصون في عقيدتهم , الذين يؤثرونها على كل شيء ويحتملون في سبيلها كل شيء . فأما في يثرب التي أصبحت منذ اليوم تعرف باسم المدينة – أي مدينة الرسول – فقد أصبح الإسلام قوة يحسب حسابها كل أحد ; ويضطر لمصانعتها كثيرا أو قليلا – وبخاصة بعد غزوة بدر وانتصار المسلمين فيها انتصارا عظيما – وفي مقدمة من كان مضطرا لمصانعتها نفر من الكبراء , دخل أهلهم وشيعتهم في الإسلام وأصبحوا هم ولا بد لهم لكي يحتفظوا بمقامهم الموروث بينهم وبمصالحهم كذلك أن يتظاهروا باعتناق الدين الذي اعتنقه أهلهم وأشياعهم . ومن هؤلاء عبد الله بن أبي بن سلول الذي كان قومه ينظمون له الخرز ليتوجوه ملكا عليهم قبيل مقدم الإسلام على المدينة . . وسنجد في أول السورة وصفا مطولا لهؤلاء المنافقين , ندرك من بعض فقراته أن المعني بهم في الغالب هم أولئك الكبراء الذين أرغموا على التظاهر بالإسلام , ولم ينسوا بعد ترفعهم على جماهير الناس , وتسمية هذه الجماهير بالسفهاء على طريقة العلية المتكبرين !: ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين . يخادعون الله والذين آمنوا , وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون . في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ; ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون . وإذا قيل لهم:لا تفسدوا في الأرض قالوا:إنما نحن مصلحون . ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون . وإذا قيل لهم:آمنوا كما آمن الناس قالوا:أنؤمن كما آمن السفهاء ? ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون . وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا:آمنا , وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا:إنا معكم إنما نحن مستهزؤون . الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون . أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم , وما كانوا مهتدين . مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم , وتركهم في ظلمات لا يبصرون . صم بكم عمي فهم لا يرجعون . أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق , يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت , والله محيط بالكافرين . يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه , وإذا أظلم عليهم قاموا , ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم , إن الله على كل شيء قدير . . وفي ثنايا هذه الحملة على المنافقين – الذين في قلوبهم مرض – نجد إشارة إلى(شياطينهم). والظاهر من سياق السورة ومن سياق الأحداث في السيرة أنها تعني اليهود , الذين تضمنت السورة حملات شديدة عليهم فيما بعد . أما قصتهم مع الدعوة فنلخصها في هذه السطور القليلة: لقد كان اليهود هم أول من اصطدم بالدعوة في المدينة ; وكان لهذا الاصطدام أسبابه الكثيرة . . كان لليهود في يثرب مركز ممتاز بسبب أنهم أهل كتاب بين الأميين من العرب – الأوس والخزرج – ومع أن مشركي العرب لم يظهروا ميلا لاعتناق ديانة أهل الكتاب هؤلاء , إلا أنهم كانوا يعدونهم أعلم منهم وأحكم بسبب ما لديهم من كتاب . ثم كان هنالك ظرف موات لليهود فيما بين الأوس والخزرج من فرقة وخصام – وهي البيئة التي يجد اليهود دائما لهم فيها عملا ! – فلما أن جاء الإسلام سلبهم هذه المزايا جميعا . . فلقد جاء بكتاب مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه . ثم إنه أزال الفرقة التي كانوا ينفذون من خلالها للدس والكيد وجر المغانم , ووحد الصف الإسلامي الذي ضم الأوس والخزرج , وقد أصبحوا منذ اليوميعرفون بالأنصار , إلى المهاجرين , وألف منهم جميعا ذلك المجتمع المسلم المتضام المتراص الذي لم تعهد له البشرية من قبل ولا من بعد نظيرا على الإطلاق . ولقد كان اليهود يزعمون أنهم شعب الله المختار , وأن فيهم الرسالة والكتاب . فكانوا يتطلعون أن يكون الرسول الأخير فيهم كما توقعوا دائما . فلما أن جاء من العرب ظلوا يتوقعون أن يعتبرهم خارج نطاق دعوته , وأن يقصر الدعوة على الأميين من العرب ! فلما وجدوه يدعوهم – أول من يدعو – إلى كتاب الله , بحكم أنهم أعرف به من المشركين , وأجدر بالاستجابة له من المشركين . . أخذتهم العزة بالإثم , وعدوا توجيه الدعوة إليهم إهانة واستطالة ! ثم إنهم حسدوا النبي [ ص ] حسدا شديدا . حسدوه مرتين:مرة لأن الله اختاره وأنزل عليه الكتاب – وهم لم يكونوا يشكون في صحته – وحسدوه لما لقيه من نجاح سريع شامل في محيط المدينة . على أنه كان هناك سبب آخر لحنقهم ولموقفهم من الإسلام موقف العداء والهجوم منذ الأيام الأولى:ذلك هو شعورهم بالخطر من عزلهم عن المجتمع المدني الذي كانوا يزاولون فيه القيادة العقلية والتجارة الرابحة والربا المضعف ! هذا أو يستجيبوا للدعوة الجديدة . ويذوبوا في المجتمع الإسلامي . وهما أمران – في تقديرهم – أحلاهما مر ! لهذا كله وقف اليهود من الدعوة الإسلامية هذا الموقف الذي تصفه سورة البقرة , [ وسور غيرها كثيرة ] في تفصيل دقيق , نقتطف هنا بعض الآيات التي تشير إليه . . جاء في مقدمة الحديث عن بني إسرائيل هذ النداء العلوي لهم:(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون . وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم . ولا تكونوا أول كافر به , ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا , وإياي فاتقون . ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون . وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين . أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ? وأنتم تتلون الكتاب ? أفلا تعقلون ?). . وبعد تذكيرهم طويلا بمواقفهم مع نبيهم موسى – عليه السلام – وجحودهم لنعم الله عليهم , وفسوقهم عن كتابهم وشريعتهم . . ونكثهم لعهد الله معهم . . جاء في سياق الخطاب لتحذير المسلمين منهم:(أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ? وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا:آمنا , وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا:أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ? أفلا تعقلون ?). .(وقالوا:لن تمسنا النار إلا أياما معدودة . قل:أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ? أم تقولون على الله ما لا تعلمون ?). .(ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به , فلعنة الله على الكافرين). . . (وإذا قيل لهم:آمنوا بما أنزل الله . قالوا:نؤمن بما أنزل علينا , ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم). . .(ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون). . . (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم). . . (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق). . . (وقالوا:لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى . تلك أمانيهم). . . (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم). . . الخ الخ . وكانت معجزة القرآن الخالدة أن صفتهم التي دمغهم بها هي الصفة الملازمة لهم في كل أجيالهم من قبلالإسلام ومن بعده إلى يومنا هذا . مما جعل القرآن يخاطبهم – في عهد النبي [ ص ] كما لو كانوا هم أنفسهم الذين كانوا على عهد موسى – عليه السلام – وعلى عهود خلفائه من أنبيائهم باعتبارهم جبلة واحدة . سماتهم هي هي , ودورهم هو هو , وموقفهم من الحق والخلق موقفهم على مدار الزمان ! ومن ثم يكثر الالتفات في السياق من خطاب قوم موسى , إلى خطاب اليهود في المدينة , إلى خطاب أجيال بين هذين الجيلين . ومن ثم تبقى كلمات القرآن حية كأنما تواجه موقف الأمة المسلمة اليوم وموقف اليهود منها . وتتحدث عن استقبال يهود لهذه العقيدة ولهذه الدعوة اليوم وغدا كما استقبلتها بالأمس تماما ! وكأن هذه الكلمات الخالدة هي التنبيه الحاضر والتحذير الدائم للأمة المسلمة , تجاه أعدائها الذين واجهوا أسلافها بما يواجهونها اليوم به من دس وكيد , وحرب منوعة المظاهر , متحدة الحقيقة ! 4 – الخط الثاني في السورة:أسس بناء الجماعة المسلمة وإعدادها للخلافة وهو من بداية الجزء الثاني وهذه السورة التي تضمنت هذا الوصف , وهذا التنبيه , وهذا التحذير , تضمنت كذلك بناء الجماعة المسلمة وإعدادها لحمل أمانة العقيدة في الأرض بعد نكول بني إسرائيل عن حملها قديما , ووقوفهم في وجهها هذه الوقفة أخيرا . . تبدأ السورة – كما أسلفنا – بوصف تلك الطوائف التي كانت تواجه الدعوة أول العهد بالهجرة – بما في ذلك تلك الإشارة إلى الشياطين اليهود الذين يرد ذكرهم فيما بعد مطولا – وتلك الطوائف هي التي تواجه هذه الدعوة على مدار التاريخ بعد ذلك . ثم تمضي السورة على محورها بخطيه الأساسيين إلى نهايتها . في وحدة ملحوظة , تمثل الشخصية الخاصة للسورة , مع تعدد الموضوعات التي تتناولها وتنوعها . فبعد استعراض النماذج الثلاثة الأولى:المتقين . والكافرين . والمنافقين . وبعد الإشارة الضمنية لليهود الشياطين . . نجد دعوة للناس جميعا إلى عبادة الله والإيمان بالكتاب المنزل على عبده . وتحدي المرتابين فيه أن يأتوا بسورة من مثله . وتهديد الكافرين بالنار وتبشير المؤمنين بالجنة . . ثم نجد التعجيب من أمر الذين يكفرون بالله:(كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم , ثم يميتكم ثم يحييكم , ثم إليه ترجعون ! هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا , ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات , وهو بكل شيء عليم). . وعند هذا المقطع الذي يشير إلى خلق ما في الأرض جميعا للناس تجيء قصة استخلاف آدم في الأرض: (وإذ قال ربك للملائكة:إني جاعل في الأرض خليفة). . وتمضي القصة تصف المعركة الخالدة بين آدم والشيطان حتى تنتهي بعهد الاستخلاف – وهو عهد الإيمان -:(قلنا:اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى , فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون). . بعد هذا يبدأ السياق جولة واسعة طويلة مع بني إسرائيل – أشرنا إلى فقرات منها فيما سبق – تتخللها دعوتهم للدخول في دين الله وما أنزله الله مصدقا لما معهم مع تذكيرهم بعثراتهم وخطاياهم والتوائهم وتلبيسهم منذ أيام موسى – عليه السلام – وتستغرق هذه الجولة كل هذا الجزء الأول من السورة . ومن خلال هذه الجولة ترتسم صورة واضحة لاستقبال بني إسرائيل للإسلام ورسوله وكتابه . . لقد كانوا أول كافر به . وكانوا يلبسون الحق بالباطل . وكانوا يأمرون الناس بالبر – وهو الإيمان – وينسون أنفسهم . وكانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه . وكانوا يخادعون الذين آمنوا باظهار الإيمان وإذا خلا بعضهم إلى بعض حذر بعضهم بعضا من إطلاع المسلمين على ما يعلمونه من أمر النبي وصحة رسالته ! وكانوا يريدونإن يردوا المسلمين كفارا . وكانوا يدعون من أجل هذا أن المهتدين هم اليهود وحدهم – كما كان النصارى يدعون هذا أيضا – وكانوا يعلنون عداءهم لجبريل – عليه السلام – بما أنه هو الذي حمل الوحي إلى محمد دونهم ! وكانوا يكرهون كل خير للمسلمين ويتربصون بهم السوء . وكانوا ينتهزون كل فرصة للتشكيك في صحة الأوامر النبوية ومجيئها من عند الله تعالى – كما فعلوا عند تحويل القبلة – وكانوا مصدر إيحاء وتوجيه للمنافقين . كما كانوا مصدر تشجيع للمشركين . ومن ثم تتضمن السورة حملة قوية على أفاعيلهم هذه ; وتذكرهم بمواقفهم المماثلة من نبيهم موسى – عليه السلام – ومن شرائعهم وأنبيائهم على مدار أجيالهم . وتخاطبهم في هذا كأنهم جيل واحد متصل , وجبلة واحدة لا تتغير ولا تتبدل . وتنتهي هذه الحملة بتيئيس المسلمين من الطمع في إيمانهم لهم , وهم على هذه الجبلة الملتوية القصد , المؤوفة الطبع . كما تنتهي بفصل الخطاب في دعواهم أنهم وحدهم المهتدون , بما أنهم ورثة إبراهيم . وتبين أن ورثة إبراهيم الحقيقيين هم الذين يمضون على سنته , ويتقيدون بعهده مع ربه ; وأن وراثة إبراهيم قد انتهت إذن إلى محمد [ ص ] والمؤمنين به , بعد ما انحرف اليهود وبدلوا ونكلوا عن حمل أمانة العقيدة , والخلافة في الأرض بمنهج الله ; ونهض بهذا الأمر محمد والذين معه . وأن هذا كان استجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل – عليهما السلام – وهما يرفعان القواعد من البيت:(ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك , وأرنا مناسكنا , وتب علينا , إنك أنت التواب الرحيم . ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك , ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم , إنك أنت العزيز الحكيم). وعند هذا الحد يبدأ سياق السورة يتجه إلى النبي [ ص ] وإلى الجماعة المسلمة من حوله ; حيث يأخذ في وضع الأسس التي تقوم عليها حياة هذا الجماعة المستخلفة على دعوة الله في الأرض , وفي تمييز هذه الجماعة بطابع خاص , وبمنهج في التصور وفي الحياة خاص . ويبدأ في هذا بتعيين القبلة التي تتجه إليها هذه الجماعة . وهي البيت المحرم الذي عهد الله لإبراهيم وإسماعيل أن يقيماه ويطهراه ليعبد فيه الله وحده , هذه القبلة التي كان النبي [ ص ] يرغب ولا يصرح في الاتجاه إليها: (قد نرى تقلب وجهك في السماء , فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام , وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره). . ثم تمضي السورة في بيان المنهج الرباني لهذه الجماعة المسلمة . منهج التصور والعبادة , ومنهج السلوك والمعاملة , تبين لها أن الذين يقتلون في سبيل الله ليسوا أمواتا بل أحياء . وأن الإصابة بالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات ليس شرا يراد بها , إنما هو ابتلاء , ينال الصابرون عليه صلوات الله ورحمته وهداه . وأن الشيطان يعد الناس الفقر ويأمرهم بالفحشاء والله يعدهم مغفرة منه وفضلا . وأن الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور , والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات . . وتبين لهم بعض الحلال والحرام في المطاعم والمشارب . وتبين لهم حقيقة البر لا مظاهره وأشكاله . وتبين لهم أحكام القصاص في القتلى . وأحكام الوصية . وأحكام الصوم . وأحكام الجهاد . وأحكام الحج . وأحكام الزواج والطلاق مع التوسع في دستور الأسرة بصفة خاصة . وأحكام الصدقة وأحكام الربا . وأحكام الدين والتجارة . . . وفي مناسبات معينة يرجع السياق إلى الحديث عن بني إسرائيل من بعد موسى . وعن حلقات من قصةإبراهيم . ولكن جسم السورة – بعد الجزء الأول منها – ينصرف إلى بناء الجماعة المسلمة , وإعدادها لحمل أمانة العقيدة , والخلافة في الأرض بمنهج الله وشريعته . وتمييزها بتصورها الخاص للوجود , وارتباطها بربها الذي اختارها لحمل هذه الأمانة الكبرى . وفي النهاية نرى ختام السورة ينعطف على افتتاحها , فيبين طبيعة التصور الإيماني , وإيمان الأمة المسلمة بالأنبياء كلهم , وبالكتب كلها وبالغيب وما وراءه , مع السمع والطاعة: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون , كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله , لا نفرق بين أحد من رسله , وقالوا:سمعنا وأطعنا , غفرانك ربنا وإليك المصير . لا يكلف الله نفسا إلا وسعها , لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت , ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا , ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا , ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به , واعف عنا واغفر لنا , وارحمنا , أنت مولانا , فانصرنا على القوم الكافرين . . ومن ثم يتناسق البدء والختام , وتتجمع موضوعات السورة بين صفتين من صفات المؤمنين وخصائص الإيمان . الوحدة الأولى آياتها : 1 – 29 موضوعها : أصناف البشر الثلاثة ودعوة إلى الإنحياز للمؤمنين تعريف بالوحدة الأولى في هذا المقطع , الذي يكون افتتاح السورة الكبيرة , نجد الملامح الأساسية للطوائف التي واجهتها الدعوة في المدينة باستثناء طائفة اليهود التي ترد إشارة صغيرة لها , ولكنها كافية , فإن تسميتهم بشياطين المنافقين تشير إلى الكثير من صفاتهم , ومن حقيقة دورهم , حتى يرد التفصيل الكامل بعد قليل . وفي رسم هذه الملامح نجد خصائص التعبير القرآنية , التي تتجلى في قيام الكلمة مقام الخط واللون , إذ سرعان ما ترتسم الصور من خلال الكلمات ; ثم سرعان ما تنبض هذه الصور وكأنها تموج بالحياة . . وهنا . . في عدد قليل من الكلمات والعبارات في أول السورة ترتسم ثلاث صور لثلاثة أنماط من النفوس . كل نمط منها نموذج حي لمجموعات ضخمة من البشر . نموذج أصيل عميق متكرر في كل زمان ومكان . حتى ما تكاد البشرية كلها في جميع أعصارها وأقطارها تخرج عن تلك الأنماط الثلاثة . . وهذا هو الإعجاز . . في تلك الكلمات القلائل والآيات المعدودات ترتسم هذه الصور واضحة كاملة , نابضة بالحياة , دقيقة السمات , مميزة الصفات . حتى ما يبلغ الوصف المطول والإطناب المفصل شيئا وراء هذه اللمسات السريعة المبينة , الجميلة النسق , الموسيقية الإيقاع . ناداهم كافة . . أن يفيئوا إليها . أن يفيئوا إلى عبادة الله الواحد , والخالق الواحد , والرازق الواحد , بلا شركاء ولا أنداد . وتحدى الذين يرتابون في رسالة النبي [ ص ] وتنزيل الكتاب عليه أن يأتوا بسورة من مثله . وأنذرهم إذا تولوا عذابا مفزعا مرهوبا ; وبشر المؤمنين وصور ما ينتظرهم من نعيم مقيم . ثم أخذ يرد على اليهود والمنافقين الذين استنكروا ضرب الله للأمثال في القرآن , واتخذوا منه وسيلة للتشكيك في أنه منزل من عند الله . وحذرهم ما وراء ضرب الأمثال , أن يزيدهم ضلالا – كما يزيد المؤمنين هدى – ثم استنكر أن يكفروا بالله المحيي المميت الخالق المدبر , العليم بكل شيء في هذا الوجود , وهو الذي أنعم على البشر فخلق لهم ما في الأرض جميعا واستخلفهم في هذا الملك الطويل العريض . تلك مجمل الخطوط الرئيسية في هذا الدرس الأول من سورة البقرة . فلنحاول أن نتناول هذا الإجمال بشيء من التفصيل . الدرس الأول:1 – 5 صفات المتقين تبدأ السورة بهذه الأحرف الثلاثة المقطعة:”ألف . لام . ميم” . يليها الحديث عن كتاب الله:(ذلك الكتاب لا ريب فيه , هدى للمتقين). . ومثل هذه الأحرف يجيء في مقدمة بعض السور القرآنية . وقد وردت في تفسيرها وجوه كثيرة . نختار منها وجها . إنها إشارة للتنبيه إلى أن هذا الكتاب مؤلف من جنس هذه الأحرف , وهي في متناول المخاطبين به من العرب . ولكنه – مع هذا – هو ذلك الكتاب المعجز , الذي لا يملكون أن يصوغوا من تلك الحروف مثله . الكتاب الذي يتحداهم مرة ومرة ومرة أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله , أو بسورة من مثله فلا يملكون لهذا التحدي جوابا ! والشأن في هذا الإعجاز هو الشأن في خلق الله جميعا . وهو مثل صنع الله في كل شيء وصنع الناس . . أن هذه التربة الأرضية مؤلفة من ذرات معلومة الصفات . فإذا أخذ الناس هذه الذرات فقصارى ما يصوغونه منها لبنة أو آجرة , أو آنية أو اسطوانة , أو هيكل أو جهاز . كائنا في دقته ما يكون . . ولكن الله المبدع يجعل من تلك الذرات حياة . حياة نابضة خافقة . تنطوي على ذلك السر الإلهي المعجز . . سر الحياة . . ذلك السر الذي لا يستطيعه بشر , ولا يعرف سره بشر . . وهكذا القرآن . . حروف وكلمات يصوغ منها البشر كلاما وأوزانا , ويجعل منها الله قرآنا وفرقانا , والفرق بين صنع البشر وصنع الله من هذه الحروف والكلمات , هو الفرق ما بين الجسد الخامد والروح النابض . . هو الفرق ما بين صورة الحياة وحقيقة الحياة ! فإذا انتهى السياق من عرض هذه الصور الثلاث دعا الناس . . الناس جميعا . . إلى الصورة الأولى ; وناداهم كافة . . أن يفيئوا إليها . أن يفيئوا إلى عبادة الله الواحد , والخالق الواحد , والرازق الواحد , بلا شركاء ولا أنداد . وتحدى الذين يرتابون في رسالة النبي [ ص ] وتنزيل الكتاب عليه أن يأتوا بسورة من مثله . وأنذرهم إذا تولوا عذابا مفزعا مرهوبا ; وبشر المؤمنين وصور ما ينتظرهم من نعيم مقيم . ثم أخذ يرد على اليهود والمنافقين الذين استنكروا ضرب الله للأمثال في القرآن , واتخذوا منه وسيلة للتشكيك في أنه منزل من عند الله . وحذرهم ما وراء ضرب الأمثال , أن يزيدهم ضلالا – كما يزيد المؤمنين هدى – ثم استنكر أن يكفروا بالله المحيي المميت الخالق المدبر , العليم بكل شيء في هذا الوجود , وهو الذي أنعم على البشر فخلق لهم ما في الأرض جميعا واستخلفهم في هذا الملك الطويل العريض . تلك مجمل الخطوط الرئيسية في هذا الدرس الأول من سورة البقرة . فلنحاول أن نتناول هذا الإجمال بشيء من التفصيل . الدرس الأول:1 – 5 صفات المتقين تبدأ السورة بهذه الأحرف الثلاثة المقطعة:”ألف . لام . ميم” . يليها الحديث عن كتاب الله:(ذلك الكتاب لا ريب فيه , هدى للمتقين). . ومثل هذه الأحرف يجيء في مقدمة بعض السور القرآنية . وقد وردت في تفسيرها وجوه كثيرة . نختار منها وجها . إنها إشارة للتنبيه إلى أن هذا الكتاب مؤلف من جنس هذه الأحرف , وهي في متناول المخاطبين به من العرب . ولكنه – مع هذا – هو ذلك الكتاب المعجز , الذي لا يملكون أن يصوغوا من تلك الحروف مثله . الكتاب الذي يتحداهم مرة ومرة ومرة أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله , أو بسورة من مثله فلا يملكون لهذا التحدي جوابا ! والشأن في هذا الإعجاز هو الشأن في خلق الله جميعا . وهو مثل صنع الله في كل شيء وصنع الناس . . أن هذه التربة الأرضية مؤلفة من ذرات معلومة الصفات . فإذا أخذ الناس هذه الذرات فقصارى ما يصوغونه منها لبنة أو آجرة , أو آنية أو اسطوانة , أو هيكل أو جهاز . كائنا في دقته ما يكون . . ولكن الله المبدع يجعل من تلك الذرات حياة . حياة نابضة خافقة . تنطوي على ذلك السر الإلهي المعجز . . سر الحياة . . ذلك السر الذي لا يستطيعه بشر , ولا يعرف سره بشر . . وهكذا القرآن . . حروف وكلمات يصوغ منها البشر كلاما وأوزانا , ويجعل منها الله قرآنا وفرقانا , والفرق بين صنع البشر وصنع الله من هذه الحروف والكلمات , هو الفرق ما بين الجسد الخامد والروح النابض . . هو الفرق ما بين صورة الحياة وحقيقة الحياة ! في ظلال القرآن الكريم | |
|